كلمة رئيس الحكومة الليبية الانتقالية أمام الجلسة الافتتاحية لقمة مؤتمر الاتحاد الأفريقي
بسم الله الرحمن الرحيم
- صاحب الفخامة معالي السيد/ الرئيس تيودور أوبيانج أسباسوجو الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي .
سعادة الدكتور/ جان بينج رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي.
سعادة السيد/ بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة .
سعادة السيد/ جيا كينغلين رئيس المؤتمر السياسي الاستشاري للشعب الصيني .
أصحاب الفخامة والمعالي.
رؤساء الدول والحكومات الشقيقة.
رؤساء الوفود والضيوف الكرام.
يسعدني في البدء أن أتوجه بالشكر العميق إلى جمهورية أثيوبيا الاتحادية الديموقراطية حكومة وشعباً على حسن الاستقبال وكرم الضيافة ، كما أتوجه بالشكر إلى صاحب الفخامة رئيس الاتحاد الافريقي على المجهودات التي بذلها للدفع قدماً بأعمال منظمتنا العتيدة.
إنه لشرف عظيم لبلادي ولي أن أقف أمام جمعكم الكريم ، وقد تحررت بلادي بالكامل واستعادت عافيتها السياسية , بعد أن تم اختطافها في انقلاب عسكري مشئوم امتد إلى (42) سنة من الحكم الدكتاتوري الهمجي القمعي الذي نكل وقتل الرجال والنساء وسلب الحريات واغتصب النساء وأهدر الدماء وسرق الأموال ، وحاول أن يقتل فيهم وبمنهجية واضحة الامال والطموحات وروح الانتماء.
لم تكن عملية التحرير بسيطة، لقد كان لها ثمناً كبيراً باهظاً وتلك هي ضريبة الحرية، فعندما رفضنا كل هذه الممارسات والسياسات الخرقاء النكراء ودعونا إلى الحرية والإنعتاق بطريقة سلمية محضة ، قوبلنا بعمليات قمع وقتل في إبادة جماعية ، وتدمير بربري لم يسبق له مثيل ، الأمر الذي أثار العالم الحر برمته ، ولم يكن له من خيار آخر أمام عمليات الإبادة اليومية للبشر وحـرق الزرع والأرض سوى الوقوف مع الشعب الليبي، وبطلب عربي ، اصدر مجلس الامن مشكوراً القرار 1973 من اجل حماية المدنيين, و لم يكن هذا القرار ليرى النور لو لم تسارع ثلاث دول أفريقية ودول صديقة أخرى في مجلس الأمن بـدعمه وتأييده
وجوهر القرار هو حماية المدنيين العـزل, وانا بدوري اشكر كل الدول الصديقة التي قدمت الدعم والمساعدة لشعبنا خلال هذه الثورة المجيدة .
لقد كان لثوارنا الأبطال رجالاً ونساءً الذين نفتخر بهم ، شرف القيام بالثورة واسقاط نظام البغي وقدموا ارواحهم من اجل نيل الحرية, و بشكل بطولي اذهل الجميع.
لقد ترك لنا النظام المنهار خليطاً من النظم البيرقراطية المعقدة والفوضى العارمة في كل مرافق الدولة , وتركت لنا الحرب عشرات الالاف من الشهداء والمفقودين , عشرات الالاف من الجرحى , اكثر من مأئة الف من النازحين
وتدمير وتخريب المدارس والمستشفيات ومباني السكن ومقرات مؤسسات الدولة واكثرها تخريب مقرات الشرطة والامن والسجون والمحاكم والمباني الادارية .
أصحاب الفخامة والمعالي
إن بلادي التي خرجت لتوها من لهيب نيران معركة شرسة للتحرير وإرساء الديمقراطية وحقوق الانسان ، وإن كانت لا تزال تعاني تركة ثقيلة من الدمار,انسانياً فأنه قد تم حتى الان ارسال اكثر من (30.000) ثلاثون الف من الجرحى للعلاج في خارج البلاد,وتسكين وخدمة اكثر من مئائة الف من النازحين.
وسياسياً تستمر ليبيا الجديدة عملياً في تنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية الهادفة إلى بناء دولة ديمقراطية مدنية تستند على أسس راسخة من المساواة والعدالة الاجتماعية والتعددية ، وتأسيساً لذلك فقد تم الإعلان في 22/11/2011 تشكيل الحكومة الانتقالية المنتخبة من قبل المجلس الوطني الانتقالي والتي أتشرف برئاستها ، فيما تتجه البلاد بخطى ثابتة نحو تحقيق المصالحة الوطنية باعتبارها شرطاً أساسياً لبناء المؤسسات الدستورية للدولة التي تنطلق من الحاجة إلى تفعيل العدالة الانتقالية كأداة ضرورية لتحقيق هذه المصالحة, ولتحقيق مبادئ حقوق الانسان , ولهذا انشأنا المجلس الاعلى للحريات وحقوق الانسان والذي يقوم بدورة بالتعاون والتنسيق مع المؤسسات المعنية في الامم المتحدة.
كما نعمل وفق خطة مفصلة وطموحة وضعتها الحكومة لتأهيل وتوظيف الثوار واستيعابهم في مؤسسات الدولة ( في الجيش والشرطة وفي مؤسسات الاعمال) كي يتمكنوا من المساهمة بفاعلية في بناء ليبيا الحديثة .
ان أمن البلاد يجب ان يتم من خلال الجيش والوطني وأجهزة الشرطة وهو السبيل لبسط سيادة وهيبة الدولة وقد فعلت الحكومة برنامجها الطموح لتدريب وتوظيف الثوار للمساهمة في اعادة بناء الجيش والشرطة.
جاري العمل في صيانة وتجهيز مقرات الشرطة والسجون والمحاكم استعداداً لتفعيل الجهاز القضائي وتسريع المحاكمات واقامة العدالة وتوفير,السجن والتحقيق والمحاكة للمتهمين تحت اشراف الدولة وبمعايير ومواصفات حقوق الانسان.
كل هذه الإجراءات وغيرها من الاجراءات الاقتصادية الفعالة مجتمعة تتم بهدف تسريع وتيرة المرحلة الانتقالية وتهيئة البلاد للدخول في انتخابات المؤتمر الوطني العام التي صدر بشأنها مشروع قانون الانتخابات والذي كان قد عرض على كافة قطاعات الشعب للإدلاء برأيها وملاحظاتها عليه وبعدها تم اعتماده يوم امس من قبل المجلس الوطني الانتقالي المؤقت، كما سيلي ذلك في خطوة لاحقة وهي قيام المؤتمر الوطني العام بتشكيل هيئة لإعداد مشروع الدستور الذي سيتم اعتماده من خلال استفتاء شعبي تمهيداً لانتخاب سلطة تشريعية ممثلة لجميع فئات الشعب وسيكون للشباب و للمرأة دور أساسي في الحياة الديمقراطية الدستورية الجديدة.
أصحاب الفخامـــــة والمعالي
إن ليبيا الجديدة في سياستها الخارجية التي تنطلق من مرتكزات و مبادئ راسخة أهمها :
احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤؤن الداخلية للدول الأخرى واحترام استقلالها وسيادتها الترابية.
الالتزام بالمواثيق الدولية الداعية إلى تكريس وتعزيز السلم والأمن الدوليين .
نبذ استخدام القوة أو التهديد بها في حل أية منازعات أنطلاقاً من اقتناعنا التام بأن الحوار السلمي هو السبيل الأنجح للتوصل إلى حل لكافة المشاكل.
التنديد بالإرهاب وأعمال العنف بكافة أشكالهما .
احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية باعتبارها عنصراً أساسيا لا بديل له لبناء مجتمعات صحية سليمة ومتطورة .
الديمقراطية والعدالة كمحور أساسي وخيار لا بديل عنه مطلقاً لإقامة دولة ذات حكم رشيد .
الانفتاح على الآخرين في بناء علاقات ثنائية تستند على تحقيق المصالح الاستراتيجية المشتركة وتعزيز علاقات الشراكة والعدالة بين الشعب الليبي والشعوب الأفريقية وغيرها من الشعوب .
إن هذه الأسس مجتمعة تعني في المجال التطبيقي إن ليبيا الجديدة ليبيا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لن تكون في مواقفها وتوجهاتها السياسية كما كانت سابقاً تغرد خارج سرب المجتمع الدولي ولن تكون مبعثاً او مصدراً لأي توتر بل ستكون بمقتضى ذلك عنصر وئام ووفاق وعاملاً أساسيا وإيجابياً لبناء عالم جديد من السلام والآمان والشراكة الحقيقية والتعاون المثمر المشترك, في علاقاتها السياسية افرقياً ودولياً . إن هذا هو جوهر سياستنا الخارجية .
أصحاب الفخامة والمعالي
إن من اهم اولوياتنا هو المسألة الأمنية الخاصة بانتشار السلاح وتأمين الحدود مع دول الجوار ومراقبتها ، وهذا يتطلب وجود تعاون حقيقي مشترك من جميع الأطراف المعنية لمنع الهجرة غير الشرعية وانتشار السلاح والمخدرات, وفي وجود تهديداً خطيراً من بعض فلول النظام السابق المسلحة التي فرت خاج البلاد ولازالت تتحرك بحرية مما قد يسبب تهديد للامن لنا ولدول الجوار وللعلاقات المشتركة.
وفي هذا الشأن تدعو بلادي الى عقد مؤتمر إقليمي أمني في ليبيا لوزراء الداخلية والدفاع بدول الجوار وذلك للتنسيق و خلق الآليات الكفيلة بالقضاء على هذه التهديدات.
واستكمالاً لمشروع حكومتنا الطموح والمكلف لتأهيل واستيعاب الثوار, ندعوا المجتمع الدولي للمساهمة الفاعلة معنا بتأسيس صندوق دولي لجمع السلاح .
وفي الوقت الذي اسجل فيه شكري للأمم المتحدة وللدول الصديقة التي قررت رفع الحظرعن الاصول والاموال الليبية المجمدة .
ندعوكم الى دعماً أفريقياً عملياً حقيقياً لليبيا يعزز ثقة الشعب الليبي في انتمائة للقارة الافريقية ، ونطلب حماية استثماراتنا الوطنية و أموال الشعب الليبي المهّربة إلى الخارج من قبل رأس النظام السابق واسرته وأعوانه خلال فترة حكمه وما بعد سقوطه، والمسجلة بأسمائهم أو أسماء مقربين لهم، وفي هذا السياق فأن حكومة بلادي تناشد الدولة الأفريقية والعالم في المساعدة على رصد هذه الأموال ومهربيها، ومد يد العون لتسهيل عملية استردادها وإعادتها إلى الشعب الليبي, كما ندعوكم للتعاون بتسليم رموز النظام السابق من المتورطين في جرائم ضد الشعب الليبي وعدم منحهم اللجوء السياسي , فالقانون الدولي لا يعطي الحصانة وحق اللجوء لمجرم.
أصحاب الفخامة والمعالي
يسعدني أن أؤكد مجددا لجمعكم الموقر عن حرص بلادي على استتباب الأمن والسلام في قارتنا، وحرصها على العمل دون كلل على بناء علاقات متوازنة ومثمرة مع الأشقاء الأفارقة تستند على الشراكة الفاعلة والمصلحة المشتركة.
اكرر شكري لكم واعتزازي بمشاركتكم واتمنى التوفيق لقارتنا الافريقية.
عاشت الأخوة الأفريقية وعاشت الأخوة الليبية الأفريقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته